Pages

الهوة

رسم توضيحى لمستويات السلطة وإتخاذ القرار 

واحد من أهم أهداف الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 هو رفع مستوى معيشة الماطن المصرى فى كل مناحى الحياة. لذلك كان من الضرورى إحداث تغييرات جذرية فى النظام الحاكم لعمران البلاد على مدار العقود الماضية. على رأس هذة التغييرات إحياء حقوق المواطن فى التحكم فى بيئته العمرانية و ما يتطلبه ذلك من فض بين الدولة و رأس المال مما يؤدى الى صياغة عقد إجتماعى جديد. بما أن من المقرر وضع دستور جديد للبلاد بعد الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية و ما يتطلبه ذلك من حوار مجتمعى موسع فإنه يجب التطرق النواحى العمرانية على التوازى مع النواحى السياسية و اللإقتصادية.هناك حلقة مفقودة فى خضم كل هذه الأحداث بين الحقوق السياسية و الحقوق العمرانية. الدستور القادم يجب أن يحمى الحقوق الإجتماعية المتفق عليها فى الأعراف الدولية بما فيها العمرانية.حدث ذلك فى دستور البرازيل الموضوع حديثا حيث تضمن مادتان تحميان حقوق المجتمع فى المشاركة فى إتخاذ القرار لا سيما إذا كان المخططات الإستراتيجية التى تمس حياة المواطن اليومية. الإصلاح السياسى خلال المرحلة الإنتقالية يجب أن يصاحبه مراجعة لكل القوانين و السياسات المنظمة لكل المؤسسات المختصة بشئون العمران. كما يجب أن تغطى الإصلاحات الدستورية النواحى المختلفة المتعلقة بالعمران مثل القوانين المنظمة لإمتلاك الأراضى و الإسكان.التخطيط العمرانى فى مصرخلال الست عقود الماضية و حتى الخامس و العشرون من يناير كان يمارس بطريقة شديدة المركزية. المحاولات الهزيلة لجعل عملية التنمية العمرانية غير مركزية لم يصاحبها إصلاح حقيقى فى المحليات الفاسدة أو خلق قنوات إتصال حقيقية بينها و بين المجتمعات التى تقوم على خدمتها. بالإضافة الى المحليات هناك قوانين الإسكان الجامدة التى تعتمد على الوصفات العامة مثل قانون البناء الموحد والقائمة على التحكم فى السكان أكثر من تمكينهم و دعمهم وأبلغ مثال على ذلك خطة "القاهرة 2050" المزمع تنفيذها حتى وقتنا الحالى. نتج عن ذلك كله زيادة إتساع و عمق الهوة بين المشاريع الحكومية و التخطيط القومى المركزى و ما بين الإسكان القائم بالجهود الذاتية و الغير مخطط.و الآن بعد الثورة المصرية يجب على القائمون على عملية التنمية العمرانية أن يتخلوا عن موقع الخبير الأدرى بما هو أصلح للناس من أنفسهم و يتعلموا من الحلول العملية المجربة على الأرض حيث أن هناك الكثير من الحلول الغير رسمية التى إبتكرها سكان المناطق الغير مخططة للتغلب على عدم كفاءة المحليات . يجب أن يكون هناك علاقة تبادلية بين التنظيم الشعبى و السياسات المركزية الحاكمة كما أن هناك حاجة ماسة لجعل تلك السياسات أكثر قابلية للمسائلة.

الرسم التوضيحى بأعلى يحاول الربط ما بين المستويات المذكورة سابقا : المستوى العام (الدستورى),المستوى شبه العام (المحليات) والمستوى الخاص (التنظيم المجتمعي). كل مستوى ممثل فى صورة شبكة تختلف مساحة فتحاتها طبقا لحجم السلطات الذى يقل كلما لأسفل عبر المستويات. فى الإتجاه المعاكس يزيد مدى التعقيد فى القرارالمتخذ كلما إتجهنا لأعلى. تتصل المستويات ببعضها البعض عن طريق أقماع تتقاطع مع المستويات الأخرى فى دوائر تختلف أقطارها حسب مدى القرب بين المستويات. يتضح ذلك حيث يتقاطع المستوى الدستورى مع مستوى المحليات فى دوائر تمثل قوانين الحكم المحلى التى ينص عليها الدستور. كما يتصل المستوى الدستورى مع مستوى التنظيم المجتمعى فى النقاط الحرجة التى تمس الصحة العامة و الأمن و التى يحميها الدستور. بنفس المنطق يتصل مستوى التنظيمات الشعبية مستوى المحليات فى مجموعة من النقاط التى يمكن من خلالها تغيير القوانين و السياسات بما يلائم إحتياجات السكان المتغيرة مما يضمن إستدامة المنظومة. تتزن هذه المنظومة بين قوتان رئيسيتين: الأولى من أسفل الى أعلى حيث تمثل حرية التصرف التى يتمتع بها المعنيين نتيجة السياسات التمكينية التى ينص عليها و يحميها الدستور. القوى الأخرى تتحرك من أعلى الى أسفل و تعتمد فى تنظيم تصرفات المستويات الأدنى على معايير الأداء و الممارسة أكثر مما تعتمد على الوصفات العامة.
هذا المقال نشر ضمن أول نسخة من مشاهد القاهرة Cairobserver

No comments:

Post a Comment

Quotes

The people from the barrio built the city twice: during the day we built the houses of the well-off. At night and at weekends, with solidarity, we built our own homes, our barrio.

  —Andrés Antillano, resident of Caracas, April 15, 2004